مجلة الجودة للجميع مجلة الجودة للجميع

الحوكمة والتدقيق الداخلي - نظرة متعمقة على تضارب المصالح

 نظرة متعمقة على تضارب المصالح




في محاضراتي العامة ودوراتي التدريبية في الحوكمة المؤسسية أسأل الحضور السؤال الأساسي التالي : ما السبب الرئيسي لفشل نظرية الوكالة (Agency Theory) والذي كان السبب في نشأة أطر الحوكمة المؤسسية المختلفة؟ وبعد الاستماع لإجابات الحضور؛ أخبرهم بأن الجواب هو : الفشل في حل مشكلة تضارب المصالح( ) (Conflict of Interest) بين أصحاب المصالح وعلى رأسهم أعضاء الجمعية العمومية (الملاك)، ومجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية نتيجة وجود اختلاف بين أهداف وأولويات وأفضليات كل طرف والتي قد ينتج عنها مشاكل كثيرة مثل : مشكلة الاختيار المعاكس، ومشكلة عدم تماثل المعلومات، ومشكلة تحمل المخاطر. 

بعد مناقشة جواب السؤال السابق أنتقل إلى السؤال الثاني : ما هو الهدف الرئيسي لأي نظام أو إطار للحوكمة ؟ وبعد الاستماع لإجابات الحضور؛ أخبرهم بأن الجواب هو : تحقيق تكامل مصالح جميع أصحاب المصالح.
أكد الكثير من المنظرين في الحوكمة المؤسسية على أن أحد أهم أهداف نظم الحوكمة المؤسسية هو تقليل تضارب المصالح، حتى أن بعضهم ضمّن هذا الهدف في تعريفهم للحوكمة المؤسسية، فعلى سبيل المثال عرّف الدكتور خالد أمين السر الحوكمة المؤسسية بِـ "تغليب مصلحة المؤسسة على المصالح الفردية للإدارة التنفيذية والمساهمين والدائنين والعاملين وغيرهم من أصحاب المصالح، والعدل بينهم بما يضمن استمرارية المؤسسة وعدم تصفيتها"، والدكتورين ديفيد لاركر وبريان تيان (عضوي برنامج أبحاث حوكمة الشركات في جامعة ستانفورد) عرفا حوكمة الشركات بأنها "مجموعة من آليات الرقابة والتي تتبناه المؤسسة حتى تمنع أو تثني المديرين المحتمل أنهم من ذوي المصالح الذاتية عن المشاركة في أنشطة تضر بمصالح المساهمين وباقي أصحاب المصلحة". ‏في بداية الحوكمة في بريطانيا ورد من ضمن أبرز توصيات لجنة كادبري في مجلس العموم عام 1992 توصية بضرورة تقليص تضارب المصالح، وفِي بداية الحوكمة في الولايات المتحدة ورد من ضمن المتطلبات لتحسين رقابة الشركات في قانون "ساربينز - أوكسلي" عام 2002 التأكيد على ضرورة التخفيف من تضارب المصالح.


من خلال متابعتي للعديد من أنظمة ولوائح الحوكمة في عدة دول عربية لاحظت التالي :


1) عدم وضع تعريف واضح وبسيط لتضارب المصالح.
2) عدم التفريق بين تضارب المصالح وتضارب الوظائف أو الصلاحيات (Conflict of Duties). في اعتقادي يجب‏ التفريق بينهما لأن طريقة إدارة مخاطر كل منهما مختلفة.  
3) عدم التطرق لكيفية التعامل مع حالات تضارب المصالح المتصورة (Perceived)، والتركيز فقط على حالات تضارب المصالح الفعلية (Actual)، والمحتملة (Potential)( ). 
4) التركيز أكثر على تضارب المصالح المالية (Financial interests)، وقلة التركيز على تضارب المصالح غير المالية (Non-financial interests) مثل الصداقة والعداوة أو الكراهية.
5) عدم تقديم أمثلة توضيحية لحالات تضارب المصالح تتناسب مع طبيعة الأنشطة. في اعتقادي يجب إعطاء أمثلة لحالات تضارب المصالح في الشركات المساهمة العامة في لائحة أو نظام حوكمة الشركات المساهمة العامة، وأمثلة لحالات تضارب المصالح في المؤسسات والهيئات الحكومية في لائحة أو نظام حوكمة القطاع الحكومي، وهكذا. 
6) عدم وضع ضوابط لتوضيح كيفية التعامل حالات تضارب المصالح المبررة وغير المبررة.
7) التركيز بشكل أكبر على حالات تضارب المصالح لدى أعضاء الإدارة العليا في المؤسسة، مع أن تضارب المصالح في المستويات الإدارة الوسطى والدنيا ولدى الأطراف الخارجية التي تتعامل مع المؤسسة (مثل المستشارين، والمحامين، والموردين، وغيرهم) أكثر تكراراً وقد يكون تأثيرها مجتمعة أكبر.
8) عدم التطرق لا من قريب ولا من بعيد لتضارب المصالح والواجبات لدى العاملين في كافة الجهات الرقابية الخارجية والداخلية (تم فقط التركيز على استقلالية مراجع الحسابات الخارجي عن المؤسسة).

في الجدول التالي أمثلة على ما تم سرده أعلاه :



خاتمة
مجلس الإدارة هو المسؤول الأول عن إدارة تضارب المصالح في أي مؤسسة، وفي رأيي يجب أن على المجلس مساءلة كل من لجنة المراجعة، والرئيس التنفيذي، والمراجع الداخلي، والمدير المالي، ومراجع الحسابات الخارجي عن هذا الموضوع الهام والذي في الأساس هو كان السبب الرئيس لنشأة الحوكمة قبل 30 سنة في المملكة المتحدة.
في النهاية أوصي الجهات التشريعية والتنظيمية التوسع في القوانين والأنظمة المفروضة على المؤسسات بحيث:

أولاً: تركز أكثر على إدارة مخاطر تضارب المصالح.
ثانياً: تركز أكثر على تضارب المصالح غير المالية.
ثالثاً: تغطي الحالات التالية بكافة صورها الشائعة:

1) الجمع بين عضوية مجلس إدارة أكثر من مؤسسة (لها صورتين شائعتين: العضوية في مؤسسات غير متنافسة، والعضوية في ‏مؤسسات متنافسة).
2) الجمع بين عضوية مجلس الإدارة ومنصب تنفيذي (لها ثلاثة صور شائعة: عضوية مجلس الإدارة في مؤسسة ما وشغل منصب تنفيذي في مؤسسة أخرى وكلاهما غير متنافستين، وعضوية مجلس ‏الإدارة في مؤسسة ما وشغل منصب تنفيذي في مؤسسة أخرى وكلاهما متنافستين، وعضوية مجلس الإدارة في مؤسسة ما وشغل منصب ‏تنفيذي في نفس المؤسسة).
3) الجمع بين أكثر من منصب تنفيذي في نفس المؤسسة أو في أكثر من ‏مؤسسة (لها صورتين شائعتين: شغل أكثر من منصب تنفيذي في مؤسسات غير متنافسة، وشغل أكثر من منصب تنفيذي في مؤسسات متنافسة) .


وأوصي مختلف المؤسسات بالتالي أيضاً :
1) رفع مستوى الشفافية لتجنب تضارب المصالح أو الواجبات المتصور .
2) إعداد واستخدام نماذج خاصة للإقرار بوجود أو عدم وجود أي تضارب في المصالح والوظائف لكافة المستويات الإدارية، وتجديد الإقرار على الأقل مرة كل سنة .
3) عمل تدريب لجميع المعنيين عن كيفية إدارة مخاطر تضارب في المصالح والوظائف مع طرح سيناريوهات وأمثلة عملية وواقعية وذات  صلة وثيقة بطبيعة عمل المؤسسة .
4) إعداد واعتماد السياسات التالية التي تدعم منظومة إدارة مخاطر تضارب المصالح والوظائف :


5) تضمين السياسات أمثلة عملية ذات صلة ببيئة عمل المؤسسة الخارجية والداخلية .


( ) في بعض الدول العربية يطلق عليها تعارض المصالح.
 (2) يمكن أن يطلق على ‏ تضارب المصالح المتصورة‏ أيضاً تضارب المصالح في الظاهر (In Appearance).






الخبير / علاء عبد العزيز أبونبعه

مستشار وخبير في الحوكمة
MACC, CIA, CPA, CRMA, CICP
ماجستير في المحاسبة من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (KFUPM)

يعمل حاليا كرئيس للتدقيق الداخلي والتميز المؤسسي في شركة كويتية قابضة كبرى في الكويت تضم مجموعة كبيرة من الشركات الاستثمارية والعقارية والتجارية والخدماتية. علاء لديه خبرة أكثر من 22 سنة في الحوكمة وإدارة المخاطر والتدقيق الداخلي والخارجي والإدارة المالية في الأردن والسعودية والكويت، وعمل سابقا في شركات استثمارية وصناعية وإنشائية كبرى، وبدأ مشاره المهني كمدقق خارجي في إحدى شركات التدقيق العالمية (الأربعة الكبار). 

عن الكاتب

Eng. Ahmed rashidy abdo

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

مشاركة مميزة

المصادر الأخلاقية لسلاسل التوريد

الاستاذ الدكتور /  تعني أن المنتجات والخدمات من كل نقطة في سلسلة التوريد الخاصة بالشركة يتم الحصول عليها بطريقة أخلاقية. ويشمل ذلك الشركات ا...

الكاتب




Ayudadeblogger

أحمد رشيدي عبده

مراجع ومدرب نظم الإدارة المتكاملة

المتابعون

Translate

المتابعون

بحث هذه المدونة الإلكترونية

جميع الحقوق محفوظة

مجلة الجودة للجميع