- التقنيات الإحصائية لضبط جودة القياسات المخبرية

التقنيات الإحصائية لضبط جودة القياسات المخبرية حسب المواصفة القياسية أيزو 17025:2017

المهندس / طارق أمين نايف ذياب

من المعروف لدى العاملين و المتعاملين مع مجال الفحوصات المخبرية و التجارب المعملية بشتى أنواعها و مجلاتها و على اختلاف طرقها و أدواتها، فإنها مهما بلغت من التطور و التحديث و الكفاءة في إجراء الفحص فلن تصل مخرجاتها النهائية إلى دقة 100% و لا بد ان تحتوي على نسبة من الخطأ، و جميع التحديثات و التطويرات بطرق الفحص تهدف إلى تقليل نسبة الخطأ ولا يمكن إلغاءه، بالإضافة الى تطور المفاهيم العلمية و التحليلات الهندسية الخاصة بطرق الفحص و التي تغير جذريا في بعض الأحيان كامل خطوات الفحص و أدواته و بالتالي يصبح هناك متغيرات إضافية تؤثر في الفحص مما يستدعي تحيل دقة و خطأ قياس جديدين، أي أن عملية تحليل الدقة و الخطأ في أي عملية قياس مخبري عملية متجددة و دائمة و تتطلب مراجعة و تحليل باستمرار .

مما سبق أعلاه تبرز أهمية التقنيات الإحصائية وعلم الإحصاء و دورهما الفعال في تحليل الخطأ و الدقة للقياسات المخبرية، و هذا ما تبين بشكل واضح في التحديث الذي تم في النسخة المحدثة لعام 2017 من أيزو 17025، حيت تم تحديث العديد من البنود الخاصة في تحليل الدقة والخطأ للقياس المخبري و تم التأكيد على متطلبات و إجراءات إضافية بهذا الشأن .

من هذا المنطلق أصبح من المهم جدا لدى مدراء الجودة و العاملين في مجال جودة المختبرات و طرق الفحص فهم المبادئ و المرتكزات الإحصائية الخاصة بضبط الجودة وتحليل الدقة و الخطأ للقياسات المخبرية و وضع الإجراءات الخاصة بضبط جودة الفحوصات المخبرية و التي تحقق متطلبات أيزو 17025:2017، حيث تبرز هذه المتطلبات بشكل رئيسي في البنود التالية : 

1- البند 7.2.2 التثبت من الطرق  (Validation of testing method) 

2- البند 7.3 أخذ العينات (Sampling)  

3- البند 7.6 تقدير قيمة الارتياب  (Evaluation of measurement uncertainty) 

4- البند 7.7 ضمان صحة النتائج (Ensuring the validity of results) 

5- البند 7.8.6 تقرير بيان المطابقة (Reporting statement of conformity)

و هناك بنود أخرى تطبق فيها تقنيات إحصائية مثل تقارير المعايرة و متطلبات خاصة لتقارير الفحص 

حيث أن هذا المقال هو الجزء الأول الذي تم نشره في هذه المجلة المتميزة فسوف يكون مقدمة أولى عن المفاهيم الإحصائية الأولية في ضبط جودة الفحوصات المخبرية و سيتم نشر مقالات أخرى في الأعداد القادمة أكثر تفصيلا عن تطبيقات التقنيات الإحصائية في البنود الواردة في المواصفة القياسية أيزو 17025:2017 كما هو موضح أعلاه .

عند إجراء قياس مخبري هناك أمران رئيسيان يجب مراعاتهما لضمان صحة نتيجة القياس ( Turness ) وهما دقة القياس و ضبط القياس(Accuracy and precision) ، تعرف دقة القياس حسب أيزو 1-5725 على أنها اقتراب نتيجة القياس من القيمة الحقيقية، بينما يعرف ضبط القياس على انه اقتراب انسجاميه مجموعة من النتائج ( اقتراب مجموعة من نتائج القياس من بعضها عند تكرار عدد من القياسات)، وبناءا عليه و كمقدمة أولية فإن درجة ارتياب القياس (Uncertainty)، تمثل بشكل مبسط الخطأ التجميعي الناتج من نقصان دقة القياس و ضبط القياس و الرسم البياني أدناه يوضح المفاهيم المذكورة كاملة، حيث يوضح كيف يجب العمل على ضمان صحة النتيجة و تقليل الارتياب من خلال زيادة الدقة والضبط (Trend line of measurement)

حتى يتم تحديد دقة و ضبط القياس يتم الاعتماد على نوعين رئيسيين من المقاييس الإحصائية :

- مقاييس النزعة المركزية ( Measures of Central Tendency )  ، و التي تعبر عن نقطة تجمع القياسات، و تشمل 

- المتوسط الحسابي( Arithmetic Average )   والذي يتمثل بمجموع القيم على عددها 

- الوسيط ( median ) و الذي يمثل القيمة التي يقل عنها أو يساويها 50% من القياسات 

- و المنوال ( Mode ) و الذي يمثل القيمة الأكثر تكرارا ( يستخدم أكثر للبيانات النوعية و ليس الكمية )

هذه المقاييس جميعها تعبر بشكل تقريبي عن قيمة القياس الأقرب للقيمة الصحيحة ، و يستخدم منها بشكل رئيسي المتوسط الحسابي ، باقي المقاييس لها استخدامات أخرى سيتم التحدث عنها في المقالات القادمة، هناك مقاييس أخرى غير شائعة الاستخدام مثل الوسط التوافقي (Harmonic Average)، و الوسط الهندسي (Geometric   Average).

حسب المواصفة العالمية  أيزو 4-5725 يتم التعبير عن دقة القياس من خلال مفهوم الانحياز (Bias)، و الذي يمثل الفرق بين المتوسط الحسابي للقياسات و القيمة الصحيحة (True Value)، و يتم تقدير الانحياز من إجراء الفحص على مواد الفحص المرجعية (Certified reference Materials) حيث تعتبر نتيجة القياس لهذه المواد الواردة في الشهادة الخاصة بها هي القيمة الصحيحة و يمكن أيضا الاعتماد على تقارير و عينات برامج الكفاءة المخبرية (PTP)، و اعتبار النتيجة الواردة بها قيمة مرجعية يحسب الانحياز نسبة لها

- مقاييس التشتت (Measures of dispersion) ، و التي تعبر عن مدى تباعد القياسات عن بعضها ، و تشمل 

- المدى(Range)   و الذي يمثل الفرق بين أعلى قيمة و أكبر قيمة

- الانحراف المعياري (Standard Deviation)،  و الذي يحسب من خلال الجذر التربيعي لمجموع مربعات انحرافات القيم مقسوما على عدد القيم 

- التباين (Variance) و الذي يساوي مربع الانحراف المعياري 

- معامل التغير (Variation coefficient)، و الذي يحسب من خلال قسمة الانحراف المعياري على الوسط الحسابي 

جميع هذه القياسات تعد مقياساً لضبط القياس حيث يجب العمل عل تقليل قيمتها لضمان ضبط النتيجة و بالتالي تقليل التشتت 

يكون هناك عادة حدود و قيم قصوى لكل من الانحياز و مقياس الضبط (أحد مقاييس التشتت المذكورة أعلاه)، موضحة في مواصفة الفحص المعيارية ضمن بند بيان الانحياز و الضبط (Precision and Bias Statement)، و هذا البند يعد إحدى الأدوات الأساسية و المبسطة لضمان صحة النتائج و يمكن الاعتماد عليه كأحد الإجراءات لتوثيق البند 7.7 من المواصفة القياسية  أيزو 17025:2017، مع ملاحظة أمر هام و هو أن متطلبات الضبط في مواصفة الفحص يتم عادة وصفها و تحديد حدودها من خلال مفهومين رئيسيين:

- التكرارية (Repeatability): و التي تحسب من خلال أحد مقاييس التشتت لعدد من القياسات التي يتم إجراءها ضمن نفس الظروف و نفس المعدات و نفس المشغلين لنفس الفحص على نفس العينة على فترة زمنية قصيرة و العمل على تقليل التشتت فيها  يعبر عن عدالة نتيجة الفحص 

- الإنتاجية المكررة (reproducibility): و التي تحسب من خلال أحد مقاييس التشتت لعدد من القياسات التي يتم إجراءها ضمن ظروف و معدات و مشغلين مختلفين لنفس الفحص على نفس العينة على فترة زمنية طويلة و العمل على تقليل التشتت فيها  يعبر عن أمانة نتيجة الفحص

و من الطبيعي أن يكون مقياس التشتت للإنتاجية المكررة أكبر من مقياس التشتت للتكرارية .

إن عملية التحليل الإحصائي لنتائج القياس المخبرية تتطلب توحيدا لبعض المفاهيم و الحسابات و آليات الوصف الإحصائي، ليكون هناك مرجعا موحدا لمدراء الجودة عن كيفية تطبيق التقنيات و بالتالي تكون عملية التواصل بين الأطراف المختلفة واضحة و موحدة للجميع، و من أبرز هذه المفاهيم الموحدة التوزيع الطبيعي المعياري للقياسات (Standard Normal distribution)، حيث أن هذا التوزيع  يستخدم كتقريب أولي للقياسات العشوائية التي تتمركز حول قيمة متوسطة وحيدة، و يعتمد على مفهوم موحد لجميع القياسات يسمى العلامة المعيارية (Z-Score)، و التي يتم حسابها من خلال قسمة انحراف القياس عن الوسط الحسابي للقياسات على الانحراف المعياري للقياسات، وهذا المفهوم وحد خصائص التوزيع لجميع القياسات حيث ان الوسط الحسابي له يساوي صفر و الانحراف المعياري له يساوي 1 لجميع العلامات المعيارية المحسوبة مهما كانت قيمة القياسات، و يعد هذا التوزيع هو الأمثل لوصف القياسات حيث أنه متماثل و تتساوى فيه قيمة المنوال مع الوسيط مع الوسط الحسابي و من الطبيعي ان تكون نقطة تمركز القياسات واحدة مهما اختلف نوع مقياس النزعة المركزية المستخدم كما هو موضح في الرسم أدناه (القيمة على محور التماثل تمثل الوسط الحسابي و المنوال و الوسيط) 

يستخدم هذا التوزيع كمرجع رئيسي لقياس دقة النتيجة من خلال حساب العلامة المعيارية للقياس حيث أنها كلما اقتربت من قيمة محور التماثل (قيمة الصفر) فهذا يدل على زيادة في دقة القياس، و تعد برامج الكفاءة المخبرية من أبرز التطبيقات لهذا التوزيع، حيث أنه من المتعارف عليه في معظم المراجع العالمية أن الحد الأعلى المسموح للعلامة المعيارية لأي نتيجة فحص في برنامج كفاءة مخبرية هيا 3 و يتم الاعتماد على هاد الحد لتقييم كفاءة المختبرات في برامج الكفاءة المخبرية و المقارنة البينية و التي تعد إحدى أبرز و أهم أدوات ضمان صحة النتائج حسب البند 7.7 من أيزو 17025:2017

مما سبق أعلاه ، تتبين الأهمية المتنامية لعلم الإحصاء ، و التقنيات الإحصائية في ضبط جودة نتائج الفحوصات المخبرية ، إن ما ذكر أعلاه هو مفاهيم مبسطة و أساسيات لتطبيقات الإحصاء في المواصفة القياسية ايزو 17025:2017 ، و سيتم التفصيل بشكل أكبر و أعمق في مقالات أخرى قادمة  بإذن ألله.

أتمنى أن يساهم هذا المقال المتواضع في تعميق دور الإحصاء في ضبط جودة النتائج ، و ان يقدم الفائدة للقراء الأعزاء ، و الزملاء الكرام العاملين في مجال إدارة جودة المختبرات ، حيث أنه لن يكون المقال الأخير في هذا الموضوع الهام و العميق ، وبارك الله فيكم و في كل من يساهم في الإثراء المعرفي و العلمي في أحد أهم مجالات الإدارة و هي إدارة الجودة .